
يجلسون أمام الشاشة قسمين، جهة على اليسار، وجهة على اليمين، ينظرون تارة في الشاشة وتارة على القسم الآخر، بعيون تقدح شراراً، ونظرات تطلق ناراً، الكل متأهب، الكل يتابع، بعضهم واقف، وبعضهم جالس، تنحبس أنفاسهم فجأة ويركز الجميع نظره على الشاشة، الكل يقف، ها هي لحظة الحسم، نعم، يا للهول، هدف هدف هداااااف، صراخ فرحة في القسم الأيمن، ثم نظرات سخرية لمن في جهة اليسار، متبوعة ببضع جملة مستهزئة، ونظرات غضب من جهة اليسار وصرخات غضب شديد، حتى أن أحدهم قلب الطاولة الي كان جلس عليها من شدة الغضب، ثم قفز غاضباً نحو واحد ممن استهزأ بهم صارخاً: غشاشيشن غشاشين، الحكم مرتشي وانتم فريق من الفشلة التافهين، هنا تتصاعد صرخات الاستهجان من القسم الأيمن، تبعه سيل من الشتائم المرتبطة بالأم والأب والعائلة الكريمة كلها، ثم بدأت الأيدي تتصارع، والرؤوس تتناطح، والطاولات تتطاير، والدماء تسيل، كل هذا دفاعاً عن الشرف، لا شرف الأم والعائلة الكريمة طبعاً! بل شرف القضية العظيمة التي يتشرفون بالدفاع عنها، ونسب أنفسهم لها، وارتداء قمصانها، تلك القضية الحساسة التي يهتمون بها أكثر من أبنائهم، ويدافعون عن شرفها أكثر من أمهاتهم، يحملون همها على أكتافهم ورقابهم صباح مساء، كيف لا وهي شرف سام، وفخر كبير لمن ينسب نفسه لهم!
كرة القدم، تلك اللعبة التي يجري فيها من يجري خلف قطعة جلد مكورة، يتناطح في الملعب من أجلها البعض، ويتحارب خلف الشاشات دفاعاً عن أفرقتهم الملايين!
المضحك أن تنسب نفسك لهم، فريقي فاز البارحة، لا لم تفز! فريق البطيخة فاز البارحة وحصل على الجائزة ويتقاضون الملايين سنوياً من أجل هذا، أما أنت يا مسكين فتجلس أمام شاشة تلفازك، بفانيلتك المقطوعة، وشعرك المنكوش، تحرق دمك، وتضيع وقتك، تدافع عنهم وكأنك منهم، مع أنهم لا يعرفون بوجودك على سطح هذا الكوكب أصلاً!
