
تجد من ينصح في العلاقات فيقول كلاماً مثل: لا تتعمق في علاقاتك بالآخرين حتى لا ترى الجانب السيء منهم فتصدم بحقيقتهم. قائل مثل هذه العبارة لربما لا يفهم عن النفس البشرية الكثير، ولربما هو نفسه من ينصحك بعد هذا في مسألة الزواج مثلاً أن لا تتزوج لأن الزواج “مرمطة” ولأن الطرف الآخر يتغير بعد الزواج، أو كلاماً مثل “مفيش صاحب بيتصاحب” وإلى آخره من هذا الهراء … ما المشكلة أن أرى الجانب السيء من الآخر؟ كيف سأقبل الطرف الآخر قبولاً غير مشروط إن كنت لا أريد أن أرى سوى الجانب المشرق منه؟ هل أنت كامل الصفات بغير نقص ولا ذنب ولا خلل؟ علاقة لا يظهر الطرفان فيها سوى الجانب الحلو منهما علاقة غير مكتملة الأركان، تمثيل يواري الحقيقة، فيصدم الشخص حين يرى نقص الآخر وذنبه وكأنه كان يظنه كاملاً متكاملاً فل أوبشين شامل مصاريف الشحن. في الحقيقة إن أردت علاقة عميقة قوية مستمرة عليك أن تتقبل الطرف الآخر بما فيه من نقص وعيب وخلل، وهنا يحصل الخلط، فحينما أطلب منك أن تتقبل الطرف الآخر بنقصه وذنبه لا أقول لك أن تحب هذا النقص والذنب، بل أن تحبه وتتقبله هو كإنسان مدركاً أن فيه من العيوب ما فيه وأنه يخطئ ويذنب كأي شخص، تتحمل هذا النقص ولا تتركه في لحظات ضعفه، بل تعينه على ترك ذنوبه وتصحيح أخطائه، وتمسك بيده لتساعده على تطوير نفسه وتحسينها، وأن تضحي بوقتك وجهدك ومالك من أجله، هكذا تكون المحبة الحقيقية، لا أن يمثل إثنان على بعضهما حتى تحين لحظة يضعف فيها طرف فيبدأ الطرف الآخر بالشكوى عن كيف كان شخصاً فتغير وأصبح شخصاً آخر، الحقيقة وببساطة هي أنك لم تكن تعرفه على حقيقته الكاملة منذ البداية. ومن كان يبغي صديقاً بغير نقص، وزوجاً بغير عيب فهو واهم، ألا صدق علي بن الجهم حين قال: ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلها … كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه.
